هل تبني أمريكا للحمائية تعني عالمًا أكثر فقرًا؟

محمد شاب عربي من أسرة متوسطة في احدي دول الشرق الأوسط. بذلت أسرته كل ما بوسعها لتوفر له تعليمًا جيدًا، آملين أن يرى مستقبلًا أفضل. منذ تخرجه من الجامعة قبل ثلاث سنوات، لم ينجح محمد في العثور على وظيفة مستقرة. العالم من حوله يعاني من تبعات جائحة كوفيد، وتغير المناخ، والصراعات الجيوسياسية. ورغم كل ذلك، لم يفقد محمد الأمل. استمر في تطوير مهاراته، وتعلّم لغات جديدة، وشارك في دورات عبر الإنترنت، وكلّه أمل أن تأتيه الفرصة المناسبة – وظيفة محترمة في بلده أو فرصة عمل خارجية تساعده على إعالة أسرته.
في السنوات الأخيرة، عاد الحديث بقوة عن فكرة "الحمائية الاقتصادية"، خاصةً مع صعود دونالد ترامب إلى السلطة وتوليه فترة رئاسية ثانية يُعزز فيها هذه السياسات بشكل أكبر. والمفارقة أن الولايات المتحدة نفسها كانت في الماضي من أكبر المدافعين عن التجارة الحرة، وقد حاربت السياسات الحمائية بعد الحرب العالمية الثانية وأجبرت العالم على تبني نموذج السوق المفتوح عبر مؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي. فما الذي تغيّر اليوم؟ وما تأثير هذا التحول على الناس العاديين في الدول الفقيرة؟ وهل فعلاً تُساعد هذه السياسات في حماية الاقتصاد أم تخلق مشاكل أكبر؟.
الحمائية تعني ببساطة أن الدولة تفرض حواجز أمام التجارة مع الدول الأخرى – مثل فرض رسوم جمركية على السلع المستوردة، أو منع بعض المنتجات من الدخول إلى الأسواق المحلية، أو دعم المنتجات المحلية على حساب الأجنبية. والهدف المعلن هو حماية الصناعات المحلية والوظائف من المنافسة الأجنبية.
في ولايته الأولى، فرض ترامب بالفعل رسومًا جمركية على سلع من الصين وأوروبا، والآن في ولايته الثانية، يواصل توسيع هذه الرسوم لتشمل كل العالم. يطبق مبدأ "المعاملة بالمثل" (أي بزعم تقليل العجز التجاري، إذا كانت دولة تفرض رسومًا على المنتجات الأمريكية، تفرض أمريكا نفس الرسوم على منتجاتها) أي معاملة بالمثل هذه؟ بعد ماذا؟ بعد أن أغرقت أمريكا، وسوقها المفتوح، والمؤسسات الدولية التي تقودها، العديد من شعوب الدول الفقيرة في الديون والاعتماد على القروض!.
الدول النامية تعتمد بشكل كبير على تصدير السلع إلى الدول الكبرى مثل أمريكا. عندما تغلق أمريكا أبوابها أمام صادرات هذه الدول، تُحرم من مصدر دخل أساسي. كما أن ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء أو المواد الخام بسبب هذه السياسات يجعل الدول الفقيرة تعاني أكثر، خاصةً وأن شعوبها تُنفق نسبة كبيرة من دخلها على الطعام.
عندما تُغلق أبواب التجارة، يكون الأغنياء هم الأقل تضررًا، لأنهم يستطيعون تحمّل ارتفاع الأسعار أو تجاوز الأزمات. أما الفقراء، فهم أول من يتأذى. هذا يعني أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء ستتسع. الدول الفقيرة ستفقد فرص النمو، والوظائف الجديدة لن تُخلق، والفقر قد يزداد. حتى داخل أمريكا، من المتوقع أن تزيد الأسعار، وتضعف القدرة الشرائية للطبقة الوسطى والعاملة.
رغم أن التجارة الحرة ليست مثالية، إلا أنها ساعدت – على مدى العقود الماضية – في تقليل الفقر في العالم. أكثر من مليار إنسان خرجوا من الفقر المدقع بفضل الانفتاح التجاري والنمو الاقتصادي. إن تبني سياسات انعزالية وفرض الحواجز قد يُرضي بعض الأصوات السياسية مؤقتًا، لكنه يهدد استقرار الاقتصاد العالمي ويجعل الفقراء أكثر فقرًا.
وهنا نعود لمحمد. شاب مجتهد يبحث عن فرصة في عالم مليء بالتحديات. لكن مع توسع السياسات الحمائية حول العالم، تصبح مهمته أصعب. فالشركات تقلل من التوظيف، والفرص تتقلص، والاقتصاد المحلي يتأثر بانكماش التجارة العالمية. فما تراه يكون مصيره؟.
Comments ()